الاثنين، 27 مايو 2019

صباحاً على نهر "واي"






(هاي، مقاطعة ويلز البريطانية، 24 مايو 2019)

ايقظني الضوء الذي يبزغ في ريف ويلز هذا في الثالثة والنصف صباحاً. في بيت خشبي على ضفاف النهر النائم وجهت كاميرا الهاتف للشمس، لأحتفظ باطلالتها من بين الأشجار.

جئنا إلى "مهرجان هاي الأدبي" في مدينة هاي لأن زوجتي الشاعرة نجوم الغانم تشارك في قراءة شعرية، ضمن مساهمتها في "الديوان الجديد"، الذي يصدر بمناسبة مرور ٢٠٠ عام على كتابة الشاعر الألماني الكبير غوته "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي". 
يُعد مهرجان "هاي" أحد أقدم المهرجانات الأدبية في بريطانيا، ويقصده الآلاف للإستمتاع بفعالياته المتنوعة بين القراءات الأدبية من شعر ورواية والمحاضرات لكتاب في السياسة والتاريخ والفلسفة، مع معرض كتاب مصاحب، عادة ما يأتي إليه الكتاب للتوقيع على كتبهم الصادرة حديثا، بعد أن يتم تقديمهم في قراءات وجلسات حوارية.


في السادسة صباحاً خرجتُ من هذا البيت الذي نبيت فيه لليلة واحدة، واتخذت طريقي في درب الغابة المؤدي إلى النهر. 

بلل ندى الليل حذائي وأنا أحاول تحاشي الحشائش الكبيرة في هذا الطريق الهابط. بعد دقائق كنت أمام المنظر هذا الخلاب للنهر.



كانت أصوات الطيور تملأ المكان، لكنني تفاجأت بأصوات البط البري الذي كان فيما يبدو نائما، وحين شعر بإقترابي منه، خفق بأجنحته وطار بعيداً. 

سرت بمحاذاة النهر. سحب الصيف المتفرقة في السماء شفافة، تخفي وراءها زرقة عميقة.

الماء يجري وصوت تدفقه يصلني فألتفت إليه لأرى الصخور المتناثرة على حافة النهر. 
هناك ما يشبه الكرسي تحت شجرة. إنه عبارة عن خشبتين ملصقتين فوق قائمين. لاشك أن أحدهم قد صنعه ليجلس عليه حين يأتي إلى النهر. 
جلست ورحت اتنفس الهواء العابر من بين أوراق الشجرة التي تظللني بأغصانها.


بعد ذلك، في ذلك النهار، قرأت في كتاب تعريفي عن المنطقة بعض المعلومات عن النهر. 

يُعد نهر "واي" الذي يمر بمدينة ومقاطقة هاي نهراً طويلاً. يمر، وهو في رحلته إلى البحر، بثلاث مقاطعات، وفي نهايته يصبح كخط حدودي واضح يفصل بين ويلز وبريطانيا. إلى الغرب من وادي "واي" ترتفع تلال غابة "دين".

هذا الصباح في الريف البريطاني ساحر بشكل لا استطيع أن اعبر به بالكلمات، لهذا فإن الصور وحدها خير دليل على ما أقول.



  

الاثنين، 20 مايو 2019

مختارات من المجموعة الشعرية - في بلاد الرياح



         

كغيمةٍ

حريٌّ بي
وجبالُ الرّمالِ أمامي
الصُّعودُ بصمتٍ
كغَيمة.

سُحُبٌ

سُحُبٌ
سُحُبٌ كثيرةٌ مرَّت
فوقَ تلكَ الشّجرةِ
ولازلْتَ أنتَ صغيراً
تلـْهو
قربَ البئر.

ليلةٌ باردة

هل حانَ وقتُ العشاءِ
مِصباحُ الغازِ لازالَ مُطفأً
فوالدُكَ لم يعُد بعدُ مِنَ المسجِد
ريحٌ شماليةٌ عاتِيةٌ
في ليلةٍ موحِشة
أنتَ ترتجفُ وحيداً تحتَ اللِّحافِ
والنخلةُ وسْطَ البيتِ تكادُ
تهوي.

الكثيب

متى؟
قُلْ لي متى سنذهبُ
كي نَتدحْرجَ
فوقَ ذاكَ الكثيبِ؟

مُنذُ أيّامٍ

منذُ أيّامٍ
والرّافعةُ تَثقُبُ الأرْضَ
بعَمودِها الحَديديِّ قُربَ البيتِ
لِبِناءٍ جديدٍ
مُنذُ أيّامٍ يُوقِظُنا في الفجْرِ
طَنينٌ
يَملأُ فضاءَ الغُرفةِ
ويَهُزُّ الجُدرانَ.


مُنذُ أيّامٍ
نَلمَحُ الرّافعةَ
مِن نافذةِ غُرفةِ النّومِ
ونُفكِّرُ 
في
أشجارِنا.

الحديقة

تَلاشى النّهارُ مِنَ السَّماءِ
وَقْتَ قصَدَ الحديقةَ.
ستَأخُذُهُ صَوبَها طُرُقاتٌ مُلْتوِيةٌ
سارَ
حدّثَ نفسَهُ عنِ النُّزهةِ القادِمةِ
كم هو رائعٌ 
أنْ أتَنفّسَ قُربَ الشَّجرِ.

هذه عَرَباتٌ فارِهةٌ تَصهَلُ
تاركةً خلفَها رِياحاً حارِقةً
تلْفَحُ الوَجْهَ.

لم يَعُدْ يرى الأُفُقَ كما كان يراه مِن قبلُ
دَفعَ الجَسَدَ رَغْمَ وَجعِ السّاقِ
وسْطَ ضبابِ أْيلولَ
ومشى.

بعدَ أقلَّ مِن ساعةٍ 
تَوقّفَ 
كانَ يلهَثُ 
وكانَ المساءُ ثَقيلاً 
قُربَ جِدارِ
الحديقة.

القِطارُ السُّفليُّ للمدينة

في القطارِ السُّفليِّ للمدينةِ
تَجلِسُ بمِعْطفِكَ الثّقيلِ خَشيةَ البرْدِ
في المدينةِ الّتي استقبلتْكَ قبلَ ثلاثينَ عاماً
حينَ كانتِ الحياةُ فَتيّةً
لا تعرِفُ عنها شيئاً بعدُ.
كانتِ الأشجارُ قد نَزعَتْ أوراقَها
تُحاولُ تَرْكَ الرُّوحِ تَتدفّأُ بالأحلامِ
وُجوهٌ كثيرةٌ في القطارِ حيثُ الجرائدُ مُبعثرةٌ
في مَمرّاتِهِ
يَقتربُ الوقتُ مِنَ اللّيلِ
ولم تَصلْ مَحطّتَكَ بعدُ.
تَجمّعتِ الغُيومُ فوقَ المَنزِلِ
لرُبّما تُرسِلُ ثَلْجاً هذه اللّيلةَ
ويُصبحُ عالَمُكَ أبيضَ
عِندَها يُمكنُكَ تَذكُّرُ الأغاني
الّتي ترنّمْتَ بها شابّاً
مُنتظراً الحافلةَ
في الطّريقِ إلى دَرسِكَ الصّباحيّ.


الأحد، 19 مايو 2019

صاحِبُ القَصْرِ










بعينَيهِ الحَجَريّتين
نَظَرَ إليَّ
صاحِبُ القَصْرِ
الذي ماتَ قبلَ مائةِ عامٍ
ولا زالَ تمثالُهُ
منتصباً في البهو 
فوق العَمودَ الرُّخاميَّ
نَحَّاتهُ ماتَ أيضاً
والملكةُ ماتَتْ
ماتَ المزارعُ، سائسُ الخيل، قائدُ الجيش
وجميع الجنود
ماتوا جميعاً
ولم يتبقى
سوى تمثاله الحجري
واقفاً 
بجوفِ قصرٍ وحيدٍ وخاوٍ
بعد أن ماتَتْ
المَمْلكَة.
(شعر: خالد البدور)


حين رأيت تمثال صاحب قصر ليوبولد سكرون في سالزبيرغ في النمسا توقفت أمامه وذهبت في حلم يقظة طويلة. كنت صحبة زوجتي نجوم الغانم حيث أقمنا لبضعة أيام في فندق ليوبولد سكرون الملحق بالقصر في صيف 2010.

تخيلت أن صاحب القصر كان ملكاً على مقاطعة سالزبيرغ، وقد بسط نفوذه لعشرات السنين على أراضيها ومزارعها الخصبة والجبال المحيطة بها، من خلال جيش عارم. تصورت أنه قد امتلك الثروات والخدم والجواري وعاش حياة ترف وغنى لاشبيه له. إلا أنه، في آخر عمره، قد ضعفت قوته وتشتت جيشه وأنهارت مملكته الكبيرة. هذه القصة التي اختلقها خيالي تحولت دون قصد إلى نص شعري اسميتهصاحب القصر“.

التاريخ الفعلي للقصر

في عام 1736 ، بنى رئيس أساقفة سالزبورغ، ليوبولد أنطون فرايهر فون فيرميان ، قصر ليوبولدسكرون كمقر إقامة عائلي. يقع مباشرة بجوار بحيرة ليوبولدسكرون الجميلة، مع إطلالة بانورامية آسرة على السلسلة الجبلية المحيطة بساليزبيرغ في النمسا. وقد تم تحويله في السنوات الأخيرة إلى فندق فخم وفاخر.

اشترى ماكس رينهاردت، وهو أحد أشهر مُنظم حفلات أوبرالية ومسرحيات في أوروبا، قصر ليوبولدكرون في عام 1918. وعلى مدار 20 عامًا، أعاد هذه الجوهرة من عصر الباروك إلى العصر الحاضر. في تلك الأيام، اصبح القصر مكان اجتماع دولي رفيع المستوى للنشاط الفني والثقافي. علاوة على ذلك، أسس ماكس رينهاردت، مع هوغو فون هوفمانستال وريتشارد شتراوس مهرجان سالزبورغ الشهير إنطلاقاً من هذا القصر.

منذ عام 1965، اشتهر القصر في خارج النمسا كموقع تصوير للفيلم الشهيرصوت الموسيقى“. وفي الوقت الحاضر، هو نقطة توقف للجولات السياحية في المدينة، حيث يجذب الزوار بتاريخه الثري فضلا عن موقعه الساحر على البحيرة. تجدر الإشارة إلى أن الدخول إلى القصر وأراضي الحديقة ومعالمه التاريخية يقتصر على المدعوين وضيوف الفندق فقط.

القصر كمقر الأنشطة الفنية والعطلات

يوفر قصر ليوبولدكرون اليوم الفرصة للإقامة لزائري مدينة سالزبورغ في أجواء شاعرية وجميلة في ضواحي المدينة. يمكن للزائر أن يقيم بين الجدران التاريخية العريقة في أجنحة وغرف فاخرة لها سحر حصري خاص بها. التكنولوجيا الحديثة والمرافق جعلت القصر موقعًا شهيرًا للندوات والمناسبات الخاصة والعامة على مدار العام.


رحلة إلى ممشى الفلاسفة - هايدلبيرغ- ألمانيا






صورة لممشى الفلاسفة مصدرها الإنترنت


إذا كنت من المحظوظين الذين يزورون المدينة الألمانية الرائعة هايدلبيرغ فعليك أن
لاتفوّت الفرصة أحد أهم معالمها وهو (ممشى الفلاسفة). 

قمنا في شهر مارس 2019 بزيارة هايدلبيرغ وتسنى لنا زيارة ممشى الفلاسفة في الجانب الجنوبي من هذه المدينة العريقة.

عبَرنا نهر نيكار قادمين من القلعة من خلال الجسر الحجري القديم، وهو جسر للمشاة. حين تصل إلى الجهة المقابلة تصادف ممراً ضيقاً صاعدا في سلالم حجرية. عليك أن تصعد الممشى حتى تصل إلى ممشى الفلاسفة.  

يقال أن اسم الممشى يعود أن أساتذة الجامعة والفلاسفة كانوا يمشون فيه، ولعل السبب يعود إلى العزلة في الغابة والمناظر الخلابة للمدينة والمنطقة المحيطة بها مما يمنح الإلهام.



إذا زرتَ هذه المدينة في أشهر الصيف، ستلاحظ شيئا رائعاً فيممشى الفلاسفة، وهو أن به طقساً معتدل الحرارة، يشبه طقس البحر المتوسط، أكثر مما يشبه طقس وادي هايدلبيرغ الذي يميل إلى الحرارة
في الواقع سترى العديد من الأشجار التي تنمو هنا والتي، في العادة، لاتحتمل طقس الشمال البارد، مثل أشجار الليمون والرُّمان، و cypresses وأشجار النخيل. 

حديقة الفلاسفة - تصوير خ. البدور

أول الأماكن التي ستلاحضها في هذه المساحة الزراعية الغريبة هيحديقة الفلاسفة“. 


النصب التذكاري للشاعر جوزيف فون إكيندروف- تصوير خ. البدور

في هذه الحديقة توجد العديد من أحواض الأزهار وكذلك بعض المقاعد، التي توفر للزائرين المكان للجلوس والراحة والإستمتاع بالمناظر

يوجد في الحديقة كذلك نصب تذكاري لذكرى جوزيف فون إكيندروف، وهو شاعر من الفترة الرومانسية، والذي كان قد درس في هايدلبيرغ في 1807-8 م.

إلى الأمام في درب منخفض يوجد نصب تذكاري لذكرى ليزوليت، وهي إبنة الأمير إليكتور كارل لودويتش. كانت هذه الإميرة متزوجة من دوق أورليانز، وهو أخو لويس الخامس عشر. وكان يوجد ميراث لها وهو إقليم بلاتان، والذي حاول فيه لويس الحصول عليه، دون نجاح، مما أدى إلى نشوب حرب طويلة تسمى حرب بلاتاين. 

زيارة ممشى الفلاسفة خاصة حين يكون الطقس مناسباً رحلة من الإلهام والجمال.

  شعر ميري أوليفر : ترياق لتجاوزات الحضارة ترجمة - خالد البدور فقد الشعر الأميركي   عام  2019  ميري أوليفر، أحد الأصوات الشعرية ...