الثلاثاء، 14 مارس 2023

 شعر ميري أوليفر: ترياق لتجاوزات الحضارة





ترجمة- خالد البدور


فقد الشعر الأميركي عام 2019 ميري أوليفر، أحد الأصوات الشعرية النسائية المتميزة والمحبوبة على نطاق جماهيري واسع.  كانت أوليفر قد ولدت في 1935 في أوهايو، وأصدرت أولى مجموعتها الشعرية في 1963، ثم واصلت الكتابة إلى أن أصدرت ما يقارب الخمسة عشر مجموعة، من بينها "صنوبر أبيض" في 1994 التي فازت عنها بجائزة ناشونال بوك، و "بدائية أمريكية" في 1983 وفازت عنها بجائزة البولتزر، إلى جانب جوائز أخرى مثل جائزة الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وجائزة شيلي التذكارية لجمعية الشعر الأمريكية، والزمالة من مؤسسة غوغنهايم والوقف الوطني للفنون. وشغلت أوليفر كرسي كاثرين أوسجود فوستر للتدريس المتميز في كلية بنينجتون.

عاشت حياة بسيطة للغاية بالقرب من البحر والغابات. كانت، في كل يوم تقريبا، تمشي لمسافات طويلة بين الأشجار وعلى طول الخط الساحلي بحثًا عن الألوان المختلفة والحيوانات والقصائد. أبقت عينيها مفتوحتان دوما بحثا عن الحيوانات، التي كانت تفكر بها بتركيز وحميمية، وغالبًا ما تظهر في كتاباتها ليس ككائنات منفصلة ولكن كأرواح بيننا وبينها قرابة ما. 

تشتهر ميري أوليفر بتأملاتها المليئة بالرهبة، وكذلك بالأمل، في الطبيعة. في العلاقة مع الطبيعة نجد في شعرها نوعاً من الرومانسية التي تزيل الحدود بين العالم الطبيعي وبين الذات المتأملة. تقول في كتابها "حياة طويلة": "أذهب إلى غاباتي، بحيراتي، ميناء الممتلئ بالشمس، ليس سوى فاصلة زرقاء فوق خارطة العالم، ولكنه، بالنسبة لي، رمز للعالم". وفي إحدى المقابلات النادرة لها تقول: " عندما تسير الأمور على ما يرام، كما تعلم، حين لا يكون السير سريعا أو لا أصل إلى أي مكان، أخيرًا أتوقف وأكتب. إنه سير ناجح!". غالبًا ما كانت تحمل دفترا صغيرا صنع يدويًا لتسجيل الانطباعات والعبارات. وذات مرة وجدت نفسها تمشي في الغابة دون قلم. بعدها أخفت أقلام الرصاص في الأشجار حتى لا يحدث ذلك مرة أخرى.

 تأثرت الشاعرة بوالت وايتمان وثورو وجلال الدين الرومي وأميرسون وشيلي وجون كيتس. وقد تمت مقارنتها بإيميلي ديكنسون التي تشاركت معها في الانجذاب للعزلة والمونولوجات الداخلية. جمعت في شعرها بين الاستبطان المظلم للأشياء والتعبير عن البهجة، وقد وجدت أن الذات تصبح قوية فقط من خلال الانغماس في الطبيعة. تشتهر أوليفر أيضًا بلغتها غير المزخرفة والموضوعات التي يسهل الوصول إليها. 

كتب أحد النُّقاد لمجلة هارفارد ريفيو: "إن شعر ماري أوليفر هو ترياق رائع لتجاوزات الحضارة"، "للكثير من الاضطراب وعدم الانتباه، والأعراف الباروكية في حياتنا الاجتماعية والمهنية. إنها شاعرة الحكمة والكرم التي تسمح لنا رؤيتها بالنظر عن كثب إلى عالم ليس من صنعنا".

وفي عام 2007 أوردت صحيفة نيويورك تايمز بأنها: "... إلى حد كبير، الشاعرة الأكثر مبيعًا في هذا البلد".


البجع


أرأيتها أيضًا، طوال الليل، على النهر الأسود؟

أرأيتها في الصباح، صاعدة في الهواء الفضي

كحفنة أزهار بيضاء،

فوضى مثالية من الحرير والكتان، بينما تنحني

مستسلمة لأجنحتها. ضفَّة ثلجية، ضفَّة من زنبقٍ،

تعض الهواء بمناقيرها السوداء؟

هل سمعتها، زِمارٌ وصفير

موسيقى مظلمة صاخبة، كالمطر الذي يرشح من الأشجار، كشلال

يخترق الحواف السوداء؟

وهل رأيتها أخيرًا، تحت الغيوم مباشرة، 

كصليب أبيض يتدفق عبر السماء، أقدامها

كأوراق الشجر السوداء، أجنحتها كالضوء الممتد للنهر؟

أشعرت بها، في قلبك، كيف أنها منسجمة مع كل شيء؟

وهل اكتشفت أخيرًا ما هو الجمال؟

وهل غيرَّتَ حياتك؟


لا تتردد


إذا شعرتَ فجأة، دون توقعٍ، بالبهجة

لا تتردد. استسلم لها. هناك الكثير

من الأرواح والمدن دُمِّرت بأكملها، أو ستُدَّمر

لسنا حكماء، ولسنا لطفاء كثيرًا

والكثير لا يمكن تعويضه.

مع هذا، توجد بعض الاحتمالات المتبقية للحياة. 

لربما هذه هي طريقتها في الرد، في بعض الأحيان

يحدث شيء أفضل من كل الثروات

أو السلطة في العالم. يمكن أن يكون أي شيء،

ولكن من المحتمل جدًا أن تلاحظ ذلك مباشرة

ما أن يبدأ الحب. على أي حال، غالبًا ما يكون

هكذا هو الأمر. على أي حال، مهما كان الأمر، لا تخف

من وفرته. البهجة ليست مصنوعة لتكون كفتات الخبز.


عندما يأتي الموت


عندما يأتي الموت

كدُبٍّ جائعٍ في الخريف:

عندما يأتي الموت ويأخذ كل القطع النقدية البراقة من محفظته

لشرائي، وإغلاق المحفظة؛

عندما يأتي الموت

مثل جدري الحصبة

عندما يأتي الموت

كجبل جليدي بين لوحي الكتف،

أريد أن أدخل من الباب ممتلئة بالفضول، متسائلة:

كيف سيكون عليه، ذلك الكوخ من الظلام؟

ولذا أنظر إلى كل شيء

كأخوّة و كأخوات

وأنظر إلى الزمن كما لو كان فكرة،

وأعتبر الخلود احتمالًا آخر،

وأفكِّرُ في كل حياة كزهرة عادية

كحقل أقحوان، وكشيء مفرد،

وكل اسم موسيقى مريحة في الفم،

تميل، كما تفعل كل الموسيقى، نحو الصمت،

وكل جسد أسد من شجاعة وشيء

ثمين على الارض.

عندما ينتهي الأمر، أريدُ القول

كنت طوال حياتي عروسا متزوجة من الدهشة.

كنت العريس، أحمل العالم بين ذراعي.

عندما ينتهي كل شيء، لا أريد أن أتساءل

إن كنتُ قد جعلت حياتي خاصة وحقيقية.

لا أريد أن أجدني أتنهد، خائفة،

أو مليئة بالجدال.

لا أريد أن ينتهي بي الأمر 

كما لو كان مجرد زيارة هذا العالم.


دعوة 


أوه، هل لديك وقت

لتبقى

للحظات قصيرة فقط

من يومك المليء بالمشاغل

يومك الهام جدا

لطيور الحسّون

التي اجتمعت

في حقل الأشواك

لعراك موسيقي،

لترى من يستطيع الغناء

إلى أعلى نغمة،

أو أدنى ،

أو الأكثر تعبيرا عن المرح،

أو الأكثر رقة؟

مناقيرها القوية الحادة

تشرب الهواء

بينما تسعى بحنان

ليس من أجلك

ولا من أجلي

وليس من أجل الفوز

ولكن من أجل البهجة العارمة والامتنان

صدِّقونا، يقولون،

إنه أمر جادُ

فقط لتكون على قيد الحياة

في هذا الصباح المنعش

في العالم المحطم

أتوسل إليك،

لا تمر

دون أن تتوقف

لحضور هذا الأداء السخيف

إلى حد ما.

يمكن أن يعني شيئا.

يمكن أن يعني كل شيء.

لعل هذا ما عناه ريلكه حين كتب:

يجب أن تغير حياتك.

  شعر ميري أوليفر : ترياق لتجاوزات الحضارة ترجمة - خالد البدور فقد الشعر الأميركي   عام  2019  ميري أوليفر، أحد الأصوات الشعرية ...