الثلاثاء، 24 نوفمبر 2020

فيلم "١٩٨٢" : الحب في الزمن الموجع للحرب




خالد البدور

لربما لا يمكن لأي فن آخر أن يجسد المشاعر الإنسانية من آلام وأفراح واضرابات وتقلبات كما تجسدها كاميرا السينما وتنقلها لنا، فننتقل إلى مسرح ذلك العالم المُتخيل الذي تُقدمه لنا، ونعيش نحن تلك المشاعر ونعاني من نفس الآلام كما لو أنها تحدث لنا. 

بعد عقود من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام  1982 يقدم لنا المخرج اللبناني وليد مؤنس فيلم "١٩٨٢"، وهو أول أفلامه، حيث يسرد فيه شهادة بصرية مؤلمة عن تلك الحرب، ويكشف لنا ما يمكن أن تُحدثه من جراح جسدية ونفسية لا يمكن أن تُنسى في حياة كل من يعيش أيامها. 

اختار المخرج أن يُرينا ما شهده هو شخصيا، حين كان صبيا، يوم الغزو الإسرائيلي الوحشي لبيروت، وهو لايزال طالبا في مدرسته الابتدائية. حمل المخرج كاميرته ذهب إلي نفس تلك المدرسة التي تقع في منطقة برمانا، وقام بتصوير الفيلم هناك، فالمدرسة لازالت علي حالها ولم تتغير منذ ذلك الوقت.

ترصد حكاية الفيلم ما حدث في نهار ذلك اليوم من خلال عين الطالب وسام وهو في حوالي العاشرة من عمره. يوم الاجتياح هذا هو نفسه يوم الامتحانات النهائية، والتي تدل علي اقتراب الصيف وبوعود لإجازة سعيدة ومفرحة. يشعر وسام بانجذاب لزميلته في الفصل "جوانا"، ويختار التواصل معها من خلال رسوماته، التي يدسها لها سرا في دولابها الخاص. وبسبب صغر سنه وخجله وخوفه يُبقى هويته مجهولة، فلا يوقع بإسمه على تلك الأورق. حين تجدها جوانا تبدأ بالبحث عن صاحبها ولكنها لا تستطيع التعرف عليه، وتردد هو في الإفصاح لها بذلك.

منذ البداية نشعر باقتراب خطر داهم، فهناك ترقب في الوجوه ودوي أصوات مخيفة تصل من بعيد. تفاجأ بطلة الفيلم، ياسمين، والتي لعبت دورها المخرجة نادين لبكي، بوجود حمامة تقف على حافة نافذة الفصل، ثم هناك سرب حمام يحلق في السماء، ونشاهد الدهشة علي وجوه الأطفال من وجود مثل الحمام في هذه المنطقة، في إشارة مجازية، لاقتراب الحرب.

بين ترقب حدوث أمر ما في خلفية المَشاهد، وبين محاولة وسام اليائسة من اخبار حبيبته أنه صاحب الرسومات، ينمو توتر درامي بين كل شخصيات الفيلم، وتبدأ الأحداث بالتشابك والتصاعد. وسام طفل حالم، يجسد أحلامه في رسوماته. يرى بين فترة وأخرى شعاع نجمة لامعة من بعيد. سنكشف في نهاية الفيلم أنه شعاع يشير لاقتراب بطل خيالي، أقوى من شخصية غراندايزر الخيالية في المسلسل الكرتوني للأطفال، هذه الشخصية، "تيغرون"، التي ابتدعها وسام ستظهر في اخر الفيلم لتفح نافذة أمل لإنهاء الحرب. 

إلي جانب قصة الطالب وسام، نتابع قصة البطلة ياسمين التي يسيطر عليها الخوف من قرار أخيها بالذهاب للجنوب والمشاركة في الحرب، بالإضافة إلى توتر علاقتها مع زميلها المدرس جوزيف. يظهر توتر هذه العلاقة بوجود اختلاف في طبيعة موقفهما من الحرب.

نبدأ بسماع صوت انفجار ضخم قريب من المدرسة ويتصاعد الدخان. يضطرب الفصل ويتزاحم الطلبة على النوافذ لرؤية ما يحدث. يقولون للمدرّسة أن هناك بوارج تقصف بيروت من البحر، لكنها تحاول يائسة تهدئتهم وإعادتهم لمقاعدهم. تخترق الطائرات الغازية السماء وتكسر حاجز الصوت بانفجارات ضخمة، ونرى الاشتباكات بين الطائرات. لقد وصلت الحرب. يمر صف مدرعات بأصواتها المخيفة بالقرب من جدار المدرسة، ويبدأ هاتف إدارة المدرسة بالرنين المتواصل فأهالي الطلبة قلقون، ولكن، تنقطع خطوط الهاتف، ونعرف أن الشوارع بدأت تزدحم بالسيارات الفارة من الاجتياح.

يتم اخراج جميع الطلبة من المدرسة تمهيدا لنقلهم بالحافلات إلى بيوتهم. ويكتظ الشارع بالسيارات والحافلات. 

تتابع الكاميرا وسام الذي يحاول البقاء مع مجموعة الطلبة الباقين في المدرسة بانتظار وصول أهاليهم، ومن بينهم حبيبته جوانا التي تفضل أن لا تذهب في نفس الحافلة التي يستقلها وسام، بل البقاء مع صديقتها. لكن حسام لا يستطيع البقاء، وعليه الذهاب إلى الحافلة. 

في الحافلة، وهي على وشك التحرك، يقرر حسام النزول والذهاب لجلب حبيبته. تعرف إدارة المدرسة أن على جوانا أن تستقل تلك الحافلة، وهكذا يتم إجبارها علي ذلك. يطلب وسام من جوانا أن تجلس في ذات المقعد الذي كان يجلس هو عليه. ويطلب من الطالب الذي يجلس بجانبه أن يزيح حقيبته عن المقعد. يرفض الطالب فيدخل وسام في شجار معه قائلا إن المقاعد للطلبة وليست للحقائب. يتشابكا بالأيادي فيتدخل سائق الباص. وفي النهاية يفوز وسام بالكرسي بقرب حبيبته جوانا.

في هذه اللحظة يفتح دفتر الرسم ويبدأ برسم الشخصية ذاتها والتي كان قد رسمها في الأوراق التي دسها في دولاب جوانا. هنا تشاهده وهو يرسم وتدرك أنه هو صاحب الأوراق، فتبتسم. 

نبدأ بسماع هدير الانفجارات ونرى نيران القصف على بيروت. ينظر جميع الطلبة من نوافذ الباص إلى هذا المشهد المرعب. تركز الكاميرا علي وجهي وسام وجوانا، ونقترب من عين وسام الذي يرى الشعاع النجمة يلمع في السماء. نبدأ برؤية الشاشة، من مخيلة "وسام"، وهي تتحول إلى رسوم، يبرز فيها البطل الأسطوري "تيغرون" الذي ابتدعه وسام. يبدأ "تيغرون" بالتصدي للقصف، وتبرز هالة ضخمة من النور من بين يديه لتغلف بيروت بالألوان الزاهية، دلالة انتصار البطل المُخلِّص على الأعداء وهزيمتهم وعودة السلام.

حين سُأل المخرج لماذا لم يقم بعرض أية مشاهد من الحرب ذاتها، إذ لم نشاهد سوى تصاعد دخان القصف من بعيد ، رد بالقول أنه رفض استخدام مشاهد حرب مباشرة أو صور من القصف لأنه لا يريد إحداث ألم نفسي، بل التعبير بشكل غير مباشر عن تأثير القصف على الأطفال والكبار، وسيطرة الهلع والخوف على الجميع.

حصل فيلم "١٩٨٢" على جائزة أفضل فيلم آسيوي في مهرجان تورينتو بكندا. 

  شعر ميري أوليفر : ترياق لتجاوزات الحضارة ترجمة - خالد البدور فقد الشعر الأميركي   عام  2019  ميري أوليفر، أحد الأصوات الشعرية ...